الجمعة، سبتمبر 21، 2012

"البحر بداخلى"..صراع "القتل الرحيم" الذى يخلقه "خافير باردام"



الكتابة عن فيلم "البحر بداخلى" للممثل القدير خافير بردام الأسبانى الأصل لا تخلو من المخاطرة ، إذ أن الفيلم يحوى إبداعاً وتشويقاً يؤثر على كل النقاد ، الفيلم يبدو فى بدايته فيلماً بسيطاً يتناول حياة رجل قعيد مشلول أسير غرفته وسريره ، وقد قضى بينها أكثر من عشرين عاماً إثر حادثة فى البحر أفقدته الإحساس بأطراف جسده ، لكن سرعان ما يتلاشى الإحساس ببساطة الفيلم ، لتدرك أنك أمام عقدة سينمائية فريدة من نوعها ، ربما لا تصل معها إلى التعاطف مع أى من الأطراف فيها ، وتعيش داخل حالة جدل مصبوغة بإبداع الأداء التمثيلى لشخصية الفيلم "رامون"..

فكرة الفيلم الرئيسية عن "القتل الرحيم" ، وهو تعبير طبى يرمز إلى وفاة الشخص الميئوس من علاجه بناءاً على طلب من المريض نفسه ، "رامون" لجأ إلى القضاء فى بلده لكى تسمح له السلطات بأن يتخلص من حياته ، بعد يأسه وبؤسه فى العلاج ، بالإضافة لشعوره المؤلم بأنه أصبح عالة على عائلة أخيه وابنه وزجة أخيه ، ووالده القعيد ، لكن "رامون" استطاع ان يغير من شخصيات حوله ، مثل ابن اخيه ، بعد أن أوصل إليه معانٍ لم يدركها وهو فى سن المراهقة ، كما ساعد "روز" الفتاة البائسة التى جاءت تزوره بعد أن تركها زوجها، وهى نفس الفتاة التى أحبته حبا شديداَ ، "جوليا" المحامية المتحمسة والتى قرريت التقرب من "رامون" من أجل إبعاده عن فكرة القتل الرحيم ، أيضاً تغيرت ، بعد ان تعرضت لحادث جعلها مشلولة وأسيرة كرسى متحرك ، تعاطفت معه وفهمت لماذا يرى الحياة سوداء يجب أن يضع نهاية لها ، لكنها فقدت ذاكرتها فى نهاية الفيلم ، وكأنه عقاب إلاهى لها بعد أن وعدت "رامون" بتنفيذ القتل الرحيم له ، ثم تخلت عنه بعدما طبعت كتابا عن قصته وتركته وحيداً، الكتاب الذى كتبه بفمه لإنه لا يملك غيره للحركة..

خافيير باردام..أو "رامون" فى الفيلم ..أبدع فى أدائه ، فهو أبكانى وأضحكنى وأثر فى كثيراَ وهو يمثل على سريره، طوال الفيلم، تخلى فيها عن أدوات الممثل من الحركة والأطراف ، وارتكز فقط على موهبته وبالتحديد وجهه ، الذى لعب المكياج فيها دوراً كبيراً ، فـ"جافير بردام" المعروف بوسامته ، تخلى عنها هى الأخرى وأدى دور الرجل المسن ، ليؤديه ببراعة وليثبت لأقرانه من الممثليين أن الإبداع ليس له حدود.

مرة أخرى ، الفيلم يصنع للمشاهد حيرة لميس سهلً الخروج منها ، وهى قبول القتل الرحيم ، المحكمة رفضت دعوته ، ورفضت حتى الإستماع إليه كصاحب القضية لإن "النظام" لديهم لا يسمح بذلك ،ولإن الدولة التى تحترم الحرية الفردية للأشخاص ، ترفض تنفيذ مطلبه لإنه "مضر بالمجتمع" ، فقرر رامون التخلى عن حياته بطريقة مبتكرة ، قرر أن يصور فيديو وكأنه يتحدى المحلفيين فى المحكمة ، وهو يتناول سيانيد البوتاسيوم القاتل ، ووجه رسالهة لوم لكل من رفض التعامل مع قضيته ، ذاهباً إلى حياة أخرى يشتاق فيها للبحر الذى يوجد بداخله ، ويشتاق له يومياً ، الفيلم استحق ترشيحات عديدة أهمها جائزة أفضل مكياج فى الأوسكار، غير أنه نال جائزة أفضل فيلم أجنبى فى أوسكار لعام 2005 .

بقلم : يسرا سلامة

ليست هناك تعليقات: