الكتابة عن فيلم "البحر بداخلى"
للممثل القدير خافير بردام الأسبانى الأصل لا تخلو من المخاطرة ، إذ أن الفيلم
يحوى إبداعاً وتشويقاً يؤثر على كل النقاد ، الفيلم يبدو فى بدايته فيلماً بسيطاً
يتناول حياة رجل قعيد مشلول أسير غرفته وسريره ، وقد قضى بينها أكثر من عشرين
عاماً إثر حادثة فى البحر أفقدته الإحساس بأطراف جسده ، لكن سرعان ما يتلاشى
الإحساس ببساطة الفيلم ، لتدرك أنك أمام عقدة سينمائية فريدة من نوعها ، ربما لا
تصل معها إلى التعاطف مع أى من الأطراف فيها ، وتعيش داخل حالة جدل مصبوغة بإبداع
الأداء التمثيلى لشخصية الفيلم "رامون"..
فكرة الفيلم الرئيسية عن "القتل
الرحيم" ، وهو تعبير طبى يرمز إلى وفاة الشخص الميئوس من علاجه بناءاً على
طلب من المريض نفسه ، "رامون" لجأ إلى القضاء فى بلده لكى تسمح له
السلطات بأن يتخلص من حياته ، بعد يأسه وبؤسه فى العلاج ، بالإضافة لشعوره المؤلم
بأنه أصبح عالة على عائلة أخيه وابنه وزجة أخيه ، ووالده القعيد ، لكن
"رامون" استطاع ان يغير من شخصيات حوله ، مثل ابن اخيه ، بعد أن أوصل
إليه معانٍ لم يدركها وهو فى سن المراهقة ، كما ساعد "روز" الفتاة
البائسة التى جاءت تزوره بعد أن تركها زوجها، وهى نفس الفتاة التى أحبته حبا
شديداَ ، "جوليا" المحامية المتحمسة والتى قرريت التقرب من
"رامون" من أجل إبعاده عن فكرة القتل الرحيم ، أيضاً تغيرت ، بعد ان
تعرضت لحادث جعلها مشلولة وأسيرة كرسى متحرك ، تعاطفت معه وفهمت لماذا يرى الحياة
سوداء يجب أن يضع نهاية لها ، لكنها فقدت ذاكرتها فى نهاية الفيلم ، وكأنه عقاب
إلاهى لها بعد أن وعدت "رامون" بتنفيذ القتل الرحيم له ، ثم تخلت عنه
بعدما طبعت كتابا عن قصته وتركته وحيداً، الكتاب الذى كتبه بفمه لإنه لا يملك غيره
للحركة..
خافيير باردام..أو "رامون" فى
الفيلم ..أبدع فى أدائه ، فهو أبكانى وأضحكنى وأثر فى كثيراَ وهو يمثل على سريره،
طوال الفيلم، تخلى فيها عن أدوات الممثل من الحركة والأطراف ، وارتكز فقط على
موهبته وبالتحديد وجهه ، الذى لعب المكياج فيها دوراً كبيراً ، فـ"جافير
بردام" المعروف بوسامته ، تخلى عنها هى الأخرى وأدى دور الرجل المسن ، ليؤديه
ببراعة وليثبت لأقرانه من الممثليين أن الإبداع ليس له حدود.
مرة أخرى ، الفيلم يصنع للمشاهد حيرة لميس سهلً
الخروج منها ، وهى قبول القتل الرحيم ، المحكمة رفضت دعوته ، ورفضت حتى الإستماع
إليه كصاحب القضية لإن "النظام" لديهم لا يسمح بذلك ،ولإن الدولة التى
تحترم الحرية الفردية للأشخاص ، ترفض تنفيذ مطلبه لإنه "مضر بالمجتمع" ،
فقرر رامون التخلى عن حياته بطريقة مبتكرة ، قرر أن يصور فيديو وكأنه يتحدى
المحلفيين فى المحكمة ، وهو يتناول سيانيد البوتاسيوم القاتل ، ووجه رسالهة لوم
لكل من رفض التعامل مع قضيته ، ذاهباً إلى حياة أخرى يشتاق فيها للبحر الذى يوجد
بداخله ، ويشتاق له يومياً ، الفيلم استحق ترشيحات عديدة أهمها جائزة أفضل مكياج
فى الأوسكار، غير أنه نال جائزة أفضل فيلم أجنبى فى أوسكار لعام 2005 .
بقلم : يسرا سلامة

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق