السبت، ديسمبر 03، 2022

وش وضهر... حيرة الأبطال ومأزق المشاهد

 



رحلة عبثية بطلها دكتور مزيف تراوده أحلام الصعود السريع، والانتماء لطبقة طالما عاش يحلم بالانتماء لها، ويتقاطع في طريقه مع فتاة تضطر هي الأخرى للإدعاء بأنها ممرضة، لكي تنجو من شباك دورها كراقصة في أفراح الدرجة الثالثة الشعبية، وبحثا عن الخلاص من مصير الراقصة إذا ظهرت للنور.

تلاقى المزيفان معا، لكنهما وقعا في ما هو حقيقي وليس مزيف، الحب، وفي لحظة فاصلة اختار الطبيب المزيف، جلال بركات، والذي يلعب دوره الممثل إياد نصار، أن يحافظ على هذا الحب، المغلف بالكذب، دق قلبه لكن الحب جعله خائفا من مصارحة حبيبته بالحقيقة المرة، التي قد يجعلها ولاشك تبتعد عنه : أنه ليس إلا عامل في إحدى شركات الأدوية، تدرج في الوظائف داخلها، وصدفة جعلته يحصل على مال وفير، يقرر بعدها الهروب من حياته، عمله الممل، وزواج أكثر مللا جعله كالفأر في المصيدة.

نجح مسلسل "وش وضهر"، الذي يعرض عبر منصة "شاهد"، في جذب أنصار ومشاهدين تطوع بعضهم بالكتابة عنه عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومع ختام المسلسل بعرض كل حلقاته العشر في هذا الأسبوع، اكتمل عمل فني قرر أن يأخذ شخصيته الرئيسية، جلال، أو جمال، من القاهرة، المزدحمة والصاخبة والتي سلبته حلمه ليكون طبيبا، إلى رحاب السيد البدوي في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، والتي تبعد قرابة 100 كم عن القاهرة.



لعل أكثر ما جذب المشاهدون في العمل هو واقعية أفراده، وأحلامهم المشروعة، وإن كانت جعلت بعضهم يستسهل الزيف، فهذا الشاب الذي أفنى عمره في شركة أدوية يحلم بالظهور، وحب الناس، يحلم بأن يكون طبيبا، في مجتمع يؤثر نسبة كبيرة من التقدير للأطباء والمهندسين، وقليل للباقية من العاملين في المجالات الأخرى، جمال الشاب الذي رفض إعادة الثانوية العامة لكي يعاود الحصول على حلمه، يقرر أن يسير في درب القدر، ولا يعرف أن ما يخبئه القدر صدفة وفي قلبها اختبار، أموال وفيرة يبدأ بها سيرة دكتور قادم في الاتجاه العكسي، من القاهرة إلى طنطا، يبحث عن سكن وعيادة.

العمل يبوح بالكثير عن شخصياته، رغم قصر حلقاته، في محاولة درامية تنسج مع محاولات أخرى كدرع في مواجهة "قانون الثلاثين حلقة" الذي يجهز على صدر الدراما المصرية الرمضانية لعقود، ربما تنجح محاولات خارج السباق الرمضاني، الأكثر مشاهدة بطبيعة الحال في سحب البساط نحو النموذج الجديد، ومحاولة جذب الجمهور خارج السباق الرمضاني الذي لا يزال يبتلع الكعكة الإعلانية في السوق الدرامي.

البوح عن ضعف الشخصيات وما نعرفه نحن كمشاهدين ولا يعرفونه عن بعضهم عن بعض جعل للمشاهدة طابعا مشوقا، لنسأل أنفسنا كمشاهدين "متى يقع الدكتور المزيف في شر أعماله؟"، لنكتشف ما يجرح حقيقة عالم الأطباء، فهو، المزيف، يقدم فيزيتا أو سعر كشف زهيد، يساعد الجميع، يحفظ عن ظهر قلب كل الأدوية لكل الحالات، ننخدع نحن كمشاهدين في هذا الشرك، ونسأل أنفسنا، هل الطبيب هو من يدرس في كليات الطب فحسب؟ أم من يقدم صورة نفضلها للطبيب الطيب والحنون على جيوب الآف من المرضى غير القادرين؟ هل نكره لأنه بلا شك يقوم بجريمة انتحال صفة طبيب؟، أم نعذره لأنه قدم لهؤلاء الفقراء نموذج من "طبيب الغلابة"، كما أطلق عليه في الحلقة التاسعة، يبحث عن الناس وسط فجوة في أسعار الأطباء وقدرة المرضى في مصر؟

لا ينفك العمل إلا ويتركنا في معضلة أخرى، فتاة تجاهد في العمل بأحد مصانع الحلوى داخل طنطا، والتي تشتهر بصناعتها، لكنها مسؤولة عن أسرة من طفل فقد ذراعيه وأخت صغرى تؤسس لبيتها، وأم فقدت زوجها، فأصبحت الأخت الكبرى العائل الوحيد لتلك الأسرة، ليدفعها الفقر إلى ترك مصنع الحلوى، والعمل كراقصة شعبية، ليس كتلك الراقصات اللاوتي يرتدين البذل العارية، لكنها ترتدي ألوانا صاخبة من ملابس تستر جسدها في أغلب الأفراح، وتدع للمكياج الصارخ باقي المهمة في القيام بدورها. ضحى، تتشبث بأول فرصة لتترك هذا العالم بعد أن قاربت على تجهيز شقيقتها.

المعضلة التي وضعتنا فيها ريهام عبد الغفور هو هل نتعاطف أيضا مع الممرضة المزيفة التي تمارس مهنة هي الأخرى تحتاج لمهارات ودراسة لا تملكها الشخصية فقط من أجل "أكل العيش"، أم لا نرحمها وتظل كما هي راقصة على طريق قريب من "بيع الجسد"؟!

العمل ينجح في سبر أغوار شخوصه، الأمر الذي قد ينجح معه في أن نرى أنفسنا فيهم، ماذا نخفي نحن عن الآخرين؟ وإلى أي مدى نقوم بأفعال غير أخلاقية لكن لها لدينا ما يبررها؟

 

 

ليست هناك تعليقات: