الثلاثاء، نوفمبر 05، 2013

فى رثاء "والتر وايت"..

"كل الأشياء السيئة لابد لها من نهاية تليق بها"..حكمة مستهلكة فى الأعمال الدرامية التى تتناولها، لكن شيئاً فى "بريكينج باد" أو "اختلال ضال" يجعلك تؤمن تماماً بهذه الحكمة، وفى نفس الوقت يجعلك تفكر وتفكر فى قرارات أخذتها الشخصيات على مدار خمسة مواسم درامية، لتكتشف على الأقل بالنسبة لى أن لا شئ يسير وفقاً لما نتمنى ، نحن نسير فى قدر محتوم نتيجة خياراتنا المرة و الأكثر مراراة.


ربما تكون الكتابة عن "والتر وايت" أو "هايزنبرغ" بطل العمل الدرامى هى الأصعب بالنسبة لى، ليس فقط لأن العمل صادق بشكل يصعب انكاره، لكن لكذا سبب، أهمهم أن خيارات البطل الخاطئة والتى تسببت فى تدميره هو و أسرته لم تكن خاطئة حينها، كانت هى المتاحة له.


وايت..رجل خمسينى ..يعمل مدرس للكيمياء..شغوف بها حد الجنون..لكنه مثل كثير من العاشقين، لا يفلح بأن يكون لعشقه ضلعاً تجارياً ، وظل حبه للكيمياء يدفعه لعمل ثانِ لسد رمق أسرته، يعمل بمغسلة سيارات ، اكتشف "وايت" فى عيد ميلاده الخمسين اصابته بسرطان الرئة ، اخفى الأمر على زوجته الحامل "سكايلر" و ابنه المعاق حتى يستطيع تدبير أمره.


العلاج الكيميائي مكلف ، لكن زوجته بعد معرفتها الخبر تصر على ذلك، عفة الرجل تبعده عن الاستدانة ، قد اتخذ قرار حاسم، أن يستغل خبرته بالكيمياء لصنع المخدرات "الميثامفيتامين الأزرق"أو كما يعرف بـ"العقار المجنون".


رحلة فى خمس مواسم درامية تصعد وتهبط مع الشخصيات ، وسط حبكة درامية لا اختلال بها، حلقة بحلقة يتحول الرجل المريض والضعيف والمنكسر إلى وحش و مجرم يرتكب الخطايا السبع، و الأهم أن لديه كل المبررات لذلك ، فهو إما يستمر و إما يموت ، عدد من تجار المخدرات قضى عليها ، ليستمر دون علم زوجته أو أهله.


لم يتغير الأمر كثير بعد علم زوجته ، فلا خيار أمامها سوى الإستسلام هى الأخرى للمصير، كل الشحصيات الشريرة فى الدراما تدفعك للكره و البغض، إلا والتر وايت.. يدفعك لصوغ عدد من المبررات له، شئ فيه لايزال ينبض بأنه شخص حسن، يؤمن مستقبل ابنه وطفلته الوليدة قبل رحيله ، يعبر من خطوط موت عريضة كانت تكاد تفتك بيه بسبب صنعه وتجارته فى المخدارت ، لكن شئياً واحداً يكسره ويهزمه.. وشاية صديق رحلته "جيسى" للشرطة.


هكذا أيضاً الحياة..ربما تعطينا المال..السيارات ..المنازل..لكنها تعطينا أيضاَ أصدقاء ضعفاء، يلقوا بنا عند أول مفرق ، الحياة ليست مكاناً سهلاً للعيش ، قاسية مربكة تطحنك بخياراتها المرة الصعبة ، لا تتوقع أن تموت وأنت شخص جيد ، حتى وان حدث ذلك، لا تقسو على الأشرار، فهم بشر مثلك ، ولديهم نقاط ضعف كثيرة.


لا يكفى مقالات عديدة فى رثاء "والتر وايت" وأسرته ، ولا فى وصف عمل درامى أبدع فيه فيسيت فالجان فى صنع كل مشهد فيه بحرفية عالية، بحركات للكاميرا مبتكرة وتكسر ملل حكاية طويلة، و لحظات وجد فيها مخرج للبطل من أزمته كاد أن ينتهى فيها ، يكفى فقط أن تستمتع بهذا العمل الذى يجذبك إليه كالمغناطيس، لكى ترى القدر يرسم طريقه على شخوص مثلنا.

يسرا - 5 نوفمبر 2013


ليست هناك تعليقات: